١٤٢٩/٠٦/٢٣

التحصين الثقافي

التحصين الثقافي

الاختلاف بين الأمم أمر ضروري حتمته الطبيعة البشرية والقوانين الاجتماعية التي تتحرك الشعوب في فلكها أفرادا وجماعات ...والاختلاف الايجابي يدعو إلى التجديد والإبداع والابتكار ويدفع الحياة الإنسانية إلى التطور والتقدم...ولا يتم ذلك إلا بضوابط لا تخطئها عيون الفاقهين منها الانفتاح المحسوب على الأمم الأخرى أخذا وعطاء دون تذاوب أو اندماج يلغي خصائصنا بحيث نأخذ من الأمم الأخرى ما يروق لعيوننا لا ما يراد لنا أن نراه، وبحيث يكون تعاطينا مع الأمم الأخرى تعاطي من يأخذ منها في يسر ما لا يتحرج منه، وتعاطي من يعطيها شاعرا بالندية...فما بال أمتنا صارت تفكر بطريقة الدخول في جحور الضباب؟!

فحين نتلفت نبحث عن الأمم الأخرى من حولنا نجد كثيرا من الأمم أبقت على خصائصها الثقافية متحصنين بتراثهم وقيمهم وغالبا ما تكون تلك القيم قيم إنسانية فالهند والصين واليابان ما تزال متحصنة ببعض تراثهم رغم قسوة الحملات التغريبية شأنها شأن بلادنا العربية إلا قليلا، وحين ندعو قومنا للمحافظة على تراثهم محافظة بصيرة واعية فإننا لسنا بدعا بين الأمم، وحينما ننفتح على الأمم الأخرى فإننا نرجو أن يكون انفتاحنا محسوب بضوابط دقيقة بحيث نأخذ من الأمم الأخرى ما يروق لعيوننا لا ما يراد لنا أن نراه، وبحيث يكون تعاطينا مع الأمم الأخرى تعاطي من يأخذ منها في يسر ما لا يتحرج منه، وتعاطي من يعطيها شاعرا بالندية كما ذكرنا آنفا.

وحين نتلفت ننظر ما أصاب أمتنا نجد عجبا ويكفي أن نلقى نظرة لأحوالنا الداخلية في مصر على سبيل المثال سوف نجد أخلاطا لا رابط بينها ففي مصر كما يقول توفيق الحكيم تعليم أجنبي وحكومي وأزهري ودرعمي وجامعي وخارجي، ولدينا أحياء أوربية وأحياء وطنية وأحياء مختلطة ولدينا مطربشون ومعممون وحفاة ومحتذون ومقبقبون ولابسو الزى الإفرنجي والزى البلدي والزى المختلط أي طربوش ومعطف وجلباب أو طاقية وبيجامة وقبقاب ...كل هذا الخلط في الأوضاع والتعليم والتربية والإطار الذي يعيش داخله الناس في بلادنا جعل لهم بالضرورة عقليات مختلفة كل عقلية تفكر تفكيرا خاصا وترى الدنيا من زاوية منفردة.

صرنا نجتهد في التشبه بالغرب تشبها أعمى لا بصيرا ويا ليت قومي تشبهوا بهم في الإبداع والابتكار وفي كسب الدنيا وفي اكتساب المعارف والعلوم وفي تحصيل أسباب التكنولوجيا إلا أنهم تفننوا في تقليد الغرب في كل شيء سوى ذلك وصاروا يتتبعون سنن الغرب حتى إنهم لو دخلوا جحر ضب لدخلوه عن عمى وتقليد غبي ومما يغيظ النفس أن ترى بعضهم يرى التقدم في الشكل لا المضمون ويرى الأخذ عن الغرب في المظاهر لا في التكنولوجيا والمعارف!!

وفي هذا الصدد نتفهم تحذير النبي صلى الله عليه وسلم لنا من هذا السير حين قال: لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبراً بشبرٍ وذراعاً بذراعٍ، فقيل: يا رسول الله كفارس والروم ؟ فقال: ومن الناس إلا أولئك ؟ رواه البخاري.

مقترحات لتفعيل التحصين الثقافي

وقد يقول قائل: حسنا، قد علمنا فماذا نفعل؟ وهو تساؤل واع نرجو له جوابا عمليا تتصدر المشهد فيه أمتنا بمجموع مفكريها المخلصين لا أدعياء التفكير البلهاء وهم للأسف كثر في مياديننا الإعلامية، وهذى مقترحات عساها تسهم في تحصين ثقافي ايجابي مستمر:

1 دراسة الخطاب الإلهي كما هو في منابعه الصافية وأقصد بذلك الوحي القرآني في التعرف على معرفة تاريخ الحضارات وأسباب قيامها وسقوطها والتعرف على أسباب نهضتها...وفي هذا الصدد نتفهم قوله تعالى {قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ{ الأنعام11، وقوله تعالى {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ}النمل69، وقوله تعالى {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {العنكبوت20

2 إنشاء فرع من فروع الثقافة الإسلامية يسمى مرحليا بفقه السنن الحضارية، يهتم بدراسة الخصائص المكينة لأمتنا، سواء الخصائص النفسية أو الحضارية أو الثقافية أو الاجتماعية... وههنا دور للمفكرين بتزويد مكتبتنا العربية بمثل هذه الدراسات وتجميعها في مؤلف واحد تفيد منه الأجيال القادمة.

3 إنشاء مراكز للبحوث والمعلومات على غرار المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية بحيث تهدف إلى جمع المعلومات وإجراء البحوث فيما يتعلق بدراسة الظواهر الطارئة على مجتمعاتنا وتقدير مكاسبها ومضارها، وتحديد المصطلحات الحضارية المستحدثة وتوحيدها بحيث يسهل دراستها والبحث عن بدائلها في تراثنا وتفعيل ذلك حتى تصير مرتكزا من مرتكزات المنظومة المعرفية التي يفيد منها المربون والمعلمون والاجتماعيون والأكاديميون كل في ميدانه وتخصصه.

4 حصر أهم القيم الإنسانية (كالحرية واحترام حقوق الإنسان والعدل والتسامح...وغير ذلك) وتوريث تلك القيم لأجيالنا الحالية والقادمة عبر وسائل فعالة كمناهج التعليم مثلا بحيث تتعدد ميادينها من الأسرة إلى المسجد إلى النادي إلى المدرسة ووسائط الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة ...

5 الحفاظ على لغتنا العربية وحمايتها من حملات التغريب المتعمدة عبر وسائل يعرفها المتخصصون نذكر ههنا بعضا منها على سبيل المثال لا الحصر:

في الجانب التشريعي والقانوني نوصى بتجريم أي استخدام للغات الأخرى في حياتنا العامة سواء المهنية أو الإنتاجية كتجريم استخدام الأسماء الأجنبية وبكتابة أجنبية عند إنشاء مصانع أو محلات تجارية...

وفي الجانب التعليمي نوصى بتدريس العلوم باللغة العربية وتعريب بقية العلوم التي ما تزال تدرس بلغة أجنبية مع قيام الفاقهين بتعريب تلك العلوم من الآن وليس مستقبلا فضلا عن توجيه عناية المدرسين بالمدارس والجامعات على ضبط اللسان عند الشرح والتدريس باللغة العربية السليمة، والعمل على تصدير برامج تعليم العربية لغير الناطقين بها بطريق سهلة وشائقة...

وفي الجانب الإعلامي نوصى بالتزام الحديث بالفصحى السهلة دون تقعر في الصحافة المحترمة والإعلام المرئي والمسموع وحظر استخدام العامية...

وفي الجانب الإنتاجي وأقصد به الإنتاج المادي والاقتصادي باستحداث منتجات صناعية ذات أسماء عربية سهلة ومعبرة لا سيما الإنتاج التقني فلقد أحيت الصين واليابان والكيان الصهيوني لغاتهم بإنتاجهم المادي ...ولعمري إن هذا هو الجانب الأهم.

وفي الجانب الأدبي والإبداعي ونقصد به التأليف والإبداع القصصي والشعري والفني بصفة عامة للفت أنظار العالم إلى لغتنا الجميلة وتصدير ذلك للعالم أجمعين...ونريد لذلك الإبداع أن يكون بلساننا نحن بقيمنا نحن بثوبنا نحن بتاريخنا وإرهاصاته الخاصة بنا بمعاييرنا الشرقية لا بمعايير الغرب بعيوننا نحن لا بعيون الغرب...ألا إنه لا قيمة لنا حين نتحدث بالعربية ولا نفكر إلا بعقول غربية!!

وكم نرجو لهذا الإنتاج أن يكون معبرا عنا بلغتنا ومفرداتنا بعيدا عن مصطلحات الغرب وعقوله والمسألة ليست اعتسافا وفرض العربية بالقوة لكنها محاولة بصيرة لوضع الأمر في نصابه وفي مكانه بعقل يقظ ومرن يصحبه وجدان وتقدير بصير لمكانة هذه اللغة ودورها في الحفاظ على الهوية والتعبير عن ذاتنا تواصلا مع الآخرين من منطلق هانحن ذا وليس التقليد والتفكير بعقول الآخرين.

6 فضح أذناب الاستخراب المسمى كذبا الاستعمار أولئك الذين يشيعون أن ما تعلموه هو معيار عام لكل إنجاز حضاري يصلح لكل أمة مهما كانت عقيدتها ومعادلتها الاجتماعية وتبيان أن أولئك الأذناب مهزومون نفسيا وداخليا بتبعيتهم للغرب، وعماهم عن رؤية ما هو نافع وجميل من تراثنا، أولئك الذين نرى أقلامهم ونسمع - كارهين - حناجرهم حين تصيب أمتنا نصرا بالتهوين من نصرنا، وحين تصيب أمتنا كبوة بإعلاء قيم بني صهيون علينا...والمعركة ههنا ليست يسيرة فأولئك تفتح لهم المنابر، وما يزالون يتبوءون مراكز قيادية في منابر إعلامية متعددة...ونحذر ألا تستغرقنا المواقف الدفاعية في معركتنا الثقافية مع هؤلاء فيصير كل جهدنا في الرد على شبهاتهم دون وعي بآلية الصراع، والتحكم بإدارته، فنتحول من أن نكون أحد أطراف الحوار المستخدمين لأدواته إلى أداة للحوار وميدان له، ونخضع لتحكم الآخر بتفكيرنا، ونشاطنا، بحيث يصبح الزمام بيده، فيكفي أن يلقي إلينا بالتهم التي يريد ويحدد الزمان الذي يختار، ومكان المعركة التي تناسبه، ونحن ما علينا إلا رد الفعل، والاستجابة المرسومة مسبقاً، وبذلك يتحكم بساحة تفكيرنا، وبنوع نشاطنا، ومجال فعلنا، ويفقدنا زمام المبادرة، وتصير حياتنا، رد فعل عفوي بعيداً عن الفعل المختار على حد قول د/ عمر عبيد حسنة

7 التحول إلى الهجوم على الذين يحاربون قيمنا وتراثنا مرة باسم الإرهاب، وأخرى باسم الأصولية دون انفعال بغيض ينسينا هدفنا من إدارة الصراع لتحصين ثقافتنا وتراثنا وقيمنا مع محاولة إبراز قيمنا الإنسانية الجميلة ومدى مواءمتها للاستقرار في الأرض.

8 تشجيع أبنائنا ومعارفنا وطلابنا على دراسة العلوم التطبيقية، والإنسانية لخدمة تراثنا وقيمنا وأمتنا وترسيخ قيمة حاجة الأمة إلى مثل هذه العلوم للبناء والنهوض.

9 تبيان موقف الساسة الغربيين من القيم الإنسانية حين تتعلق بنا فهي قيم تكيل بمكيالين وهاهو موقفهم من حكومة حماس المنتخبة، وهاهو موقفهم من علمائنا في بلادهم إذا أرادوا أن يفيدوا بعلمهم بني قومهم، ويعجبني قول د/ عمر عبيد حسنة إن اليد التي تمنح المسلم الحرية هناك، هي اليد نفسها التي تمنعها هنا، ليتم الاستقطاب، والتحكم من جانب، ولإعطاء دليل عملي واقعي على أن حضارة الغرب بعطائها تتميز عن حضارة المسلمين فتهفو النفوس إليها وتهاجر الأجنة إلى بلادها.

سيد يوسف

معاني إنسانية

١٤٢٩/٠٦/١٦

لغتي .. هويتي

لغتي .. هويتي

البداية

تلقيت قبل أيام دعوة كريمة من الأخ العزيز د. أبو يحيى وآدم، صاحب مدونة آدم ويحيى. كانت الدعوة للمشاركة في حملة لنصرة اللغة العربية، والدعوة إلى إعادة إحيائها واستخدامها في كتاباتنا كلها، والاعتماد عليها في الحديث ما تيسر ذلك. والدفاع عنها أمام الهجمة الشرسة التي تتعرض لها، وهي هجمة ذات شعبتين.

الأولي: الدعوة إلى هجر الفصحى، والاعتماد على العامية حديثا وكتابة وفكرا ودراسة. ظنا من البعض أن الفصحى لا تناسب العصر، ولا تتسع للتعبير عن مستجدّاته ومتغيراته.

والثانية: الدعوة إلى هجر اللغة العربية جملة، عامية وفصحى. والاعتماد في حياتنا وتفكيرنا وتعليمنا على لغات أخرى نتعلمها من الغرب. حيث يلوك البعض مصطلحات أعجمية للتعبير عن أفكاره وأحاسيسه ظنا منه أن هذا من مظاهر التحضر وعلامات والرقي، وما هو إلا علامة الهزيمة ومظهر التبعية وفقدان الهوية.

وقد لاقت الحملة نجاحا حدا بنا إلى التفكير في إنشاء هذه المدونة، لتكون امتداداً للحملة. ومكانا للدفاع عن لغتنا الفصحى وهويتنا العربية. فلغتنا العربية هي أساس هويتنا الجامعة، وهي أداتنا لفهم تاريخنا وتراثنا كله. ومن أضاع تاريخه وتراثه، فقد فقد أصله الذي ينتمي إليه، وماضيه الذي أتى منه. ومن لا ماضي له فلا مستقبل له.

من هنا كانت فكرة هذه المدونة، لنلتقي فيها نتبادل الخبرات فيما بيننا، فيعلم كل منا الآخرين ويتعلم منهم.

والجميع مدعو للمشاركة في هذه المدونة، بشرط واحد أن تكون الإدراجات كلها باللغة العربية الفصحى، وبدون استخدام مصطلحات أجنبية لها بديل في لغتنا. وهذه هي قائمة المجالات المقترحة للكتابة في هذه المدونة:

تاريخ اللغة العربية

أثر التحول من اللغة الفصحى إلى العامية على الهوية
بلاغة اللغة العربية

هذه مصطلحات غير عربية يجب الاستغناء عنها

مدى تأثير العربية في اللغات الأخرى

طرائف ونوادر في اللغة العربية

خواطر وأشعار حول اللغة العربية سواء من مكتوبك أو منقولك


فمن وجد فيها نقصا، فليتفضل علينا بإتمامه مشكوراً.

وأرجو أن تكون هذه المدونة مكانا ندعو فيه إلى استخدام لغتنا، وإن تكون مكانا نتعلم فيه معا، فمن رأى خطأ فليدلنا عليه، ومن قرأ كلمة أو عبارة لا يعرفها فليسأل عنه، في تعليق أو بالبريد. ومن كان في إدراجه كلمة يرى أنها تحتاج إلى شرح فليبادر بشرحها ليشرك الآخرين فيما يعرفه.

هذه بداية

وبالله التوفيق.